جلس الحسن البصري ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم،
وقال: يا اخواتاه، تزدحمون عليّ لتقربوا مني؟ فكيف بكم غدا في القيامة
اذا قرّبت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا؟
فيا ليت شعري: أمع المثقلين أحط، أم مع المخفين أجوز؟
ثم بكى حتى غشي عليه، وبكى من حوله،
فاقبل عليهم وناداهم، يا اخوتاه، ألا تبكون خوفا من النار؟
ألا من بكى خوفا من النار نجاه الله منها يوم يجرّ الخلائق بالسلاسل والأغلال.
يا اخوتاه، ألا تبكون شوقا الى الله. ألا وان من بكى شوقا الى الله، لم يحرم من النظر غدا الى الله اذا تجلى بالرحمة، واطّلع بالمغفرة، واشتدّ غضبه على العاصين.
يا اخوتاه، ألا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق وقد ذبلت شفاههم،
ولم يجدوا ماء الا حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيشرب قوم، ويمنع آخرون.
ألا وانّ من بكى من خوف عطش ذلك اليوم سقاه الله من عيون الفردوس.
قال: ثم نادى الحسن رضي الله عنه: واذلاه اذا لم يرو عطشي يوم القيامة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بكى وجعل يقول: والله لقد مررت ذات يوم بامرأة من المتعبدات، وهي تقول: الهي، قد سئمت الحياة شوقا ورجاء فيك.
فقلت لها: يا هذه، أتراك على يقين من عملك؟ فقالت: حبي فيه وحرصي على لقائه بسطني. أتراه يعذبني وأنا أحبه؟.
فبينما أنا كذلك أخاطبها، اذ مرّ بي صبيّ صغير من بعض أهلي، فأخذته في ذراعي،
وضممته الى صدري، ثم قبلته.
فقالت لي: أتحب هذا الصبي؟
قلت: نعم.
قال: فبكت،
وقالت: لو يعلم الله الخلائق ما يستقبلون غدا، ما قرّت أعينهم، ولا التذّت قلوبهم بشيء من الدنيا أبدا.
اللهم ابكنا من خشيتك وارضى عنا واغفر لنا